الإثراء اللغوي





  ذكر الشاب الغض الشباب : هو في اقتبال شبابه، وحداثة أترابه، وريعان عمره، وعنفوان أمره. هو في ريان شبابه واعتداله، وريعان إقباله واقتباله، شبابه طري، وذكاؤه قوي. غصن شبابه رطيب، وبرد حداثته قشيب، بعثه على ذلك أشر الصبي، ومرح الشبيبة، وسكر الحداثة. هو بعذرة الشباب، وفراغ البال، حدث بكر الآمال، بض الجمال، حسن الاقتبال، فتي السن، رطيب الغصن. عمره في إقباله، ونشاطه في استقباله، وشبابه في اقتباله، وماؤه بحاله. فلان في حكم الأطفال، الذين لم يعضوا على نواجذ الرجال.
  في ذم الكلام : كلام تنبو عن قبوله الطباع، وتتجافى عن استماعه الأسماع. ألفاظ تنبو عنها الآذان فتمجها، وتنكرها الطباع فتزجها. كلام لا يرفع السمع له حجاباً، ولا يفتح القلب لوفده باباً. كلام يصدي الريان، ويصدئ الأذهان. كلام قد تعمل فيه حتى تبدل، وتكلف، حتى تعسف. طبع جاس، ولفظ قاس. لا مساغ له في سمع، ولا وصول له مع خلو ذرع. كلام لا الروية فيه ضربت بسهم، ولا الفكرة أجالت فيه بقدح. كلام كأنه ثمر قطف قبل أوانه، وشراب نزل دنه قبل إبانه. كلام بمثله يتسلى الأخرس عن بكمه، ويفرح الأصم بصممه. بمثل ذلك الكلام رزق الصمت المحبة، وأعطي الإنصات الفضيلة. كلام أملس المتون. قليل العيون. أثقل من الجندل، وأمر من الحنظل. لفظ أخلاط، فلا يدركه استنباط، ولا يفسره بقراط. لفظه هذيان المحموم، وسوداء المهموم. كلام رث ومعنى غث. لا طائل فيهما، ولا حلاوة عليهما.


  البشر والبشاشة : طلعة عليها للبشاشة ديباجة خسروانية، وفيها للطلاقة روضة ربيعية. غرة يجول فيها ماء الكرم، وتقرأ منها صحيفة حسن الشيم. وجه كأن بشرته قشر البشر، ومواجهته أمان من الدهر. فلان يصل ببشره، قبل أن يصل ببره، ويحيي القلوب بلقائه، قبل أن يميت الفقر بعطائه. شمت من وجهه بارقة المجد، ورأيت في بشره تباشير النجح. قد لحظت من وجهه الأنوار، ومن بنانه الأنواء. أنا من كرم عشرته، وطلاقة أسرته، في روضة وغدير، بل في جنة وحرير.


  حسن الخلق : خلق لو مزج به البحر لنفى ملوحته، وصفى كدورته. خلق كنسيم الأسحار، على صفحات الأنوار. خلق كالماء صفاء، والمسك ذكاء. أخلاق قد جمعت المروءة أطرافها، وحرست الحرية أكنافها. أخلاق تجمع الهواء المتفرقة على محبته، وتؤلف الآراء المتشتتة في مودته. أخلاق أعذب من ماء الغمام، وأحلى من ريق النحل، وأطيب من زمن الورد. أخلاق أحسن من الدر والعقيان في نحور الحسان، أزكى من حركات الريح بين الورد والريحان.


  في الربيع وإقباله : قد أقبل الربيع بأسعد فاله، والحسن والطيب في إقباله. أقبل الربيع يتبسم، ويكاد من الحسن يتكلم. تنفس الربيع عن أنفاس الأحباب، وأعار الأرض أثواب الشباب. تنفس فنفس عن المكروب، وأهدى الروح والراحة للقلوب. استخرج من زهر البساتين، ما دفنته يد الكوانين. جاء يجر أذيال العرائس، وينشر أجنحة الطواويس. تبلج عن وجه بهج، وجو غنج، وروض أرج، وطير مزدوج. أقبل برائحة الجنان، وراحة الجنان، أسفر عن ظل سجسج، وماء سلسل وروض مدبج. جاء معيداً للأنس العازب، ومطلعاً للهو الغارب. تبلج عن نوره، وتفتح عن نوره. لاحت منهجه، وراقت مباهجه. مرحباً بالفصل، الجامع لأحكام الفضل، زائر من القلوب قريب، وكله حسن وطيب. زائر لباسه حرير، وأنفاسه عبير. انكشفت غمة الشتاء الكالح عن غرة الربيع الضاحك، أذال الربيع أذيال الحرير، وعبرت أنفاسه عن العبير. تبدل الشباب من المشيب، وبرز في مطرفه القشيب. عطر السهول والوعور، فعطل المسك والكافور. الزمان معتدل، ووجهه طلق مقتبل. وسحابه ماطر، وترابه عاطر، كأن الجنة قد نزلت إلى الأرض في أبهى حللها وأنفس حلاها، وما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين منها، قد تبرجت الأرض للنظارة، وبرزت في معرض الحسن والنضارة، لبست الأرض قناعها الأخضر، ونضت شعارها الأغبر. حاك الربيع حلل الأزهار، وصاغ حلى الأنوار. في النسيم ووصف أثره زائر وجهه وسيم، وفضله جسيم، وريحه نسيم، قد سفر الربيع عن خلق الكريم، ونطق بلسان النسيم. وأفاض ماء النعيم، هب النسيم من الكرى، وهب على الورى، وعطر الثرى. جر على الأرض أزره، وحل عن جيب الطيب زرره. نسيم الريح، نسيب الروح، قد ركضت خيول النسيم في ميادين الرياض. يا لك من منظر جناني، وماء فضي، ونسيم عطري، قد حلت يد المطر إزرار الأنوار، وأذاع لسان النسيم أسرار الأزهار.


  في ذكر النرجس والورد والشقائق : الربيع شباب الزمان، ومقدمة الورد والريحان. زمن الورد موموق مرموق، وكأنه من الجنة مسروق. قد ورد كتاب الورد، بإقباله إلى أهل الود، إذا ورد الورد، صدر البرد، مرحباً بأشرف الزهر، في أظرف الدهر، كأن عين النرجس عين، وورقه ورق، النرجس نزهة الطرف، وظرف الظرف، وغذاء الروح، ومادة الروح، شقائق كتيجان العقيق على الزنوج، كأنها أصداغ المسك على الوجنات الموردة. شقائق كالزنوج تجارجت فسالت دماؤها، وضعفت فبقي ذماؤها. في غناء الأطيار الأرض زمردة والأشجار وشي، والماء سيوف والطيور قيان. قد غردت خطباء الأطيار، على منابر الأنوار والأزهار، إذا صدح الحمام، صدع قلب المستهام، أنظر إلى طرب الأشجار، لغناء الأطيار. ليس للبلابل، كخمر بابل، على غناء البلابل.


  في وصف أيام الربيع : يوم سماؤه فاختيه، وأرضه طاووسية. يوم جلابيب غيومه صفاق، وأردية نسيمه رقاق، يوم معصفر السماء، ممسك الهواء، معنبر الرياض مصندل الماء. يوم سماؤه كالخز الأدكن، وأرضه كالديباج الأخضر. يوم تبسم عنه الربيع، وتبرج فيه الروض المريع. كأن سماءه مأتم، وأرضه عرس. مقدمة المطر لبست السماء جلبابها. سحب السحاب أذياله. احتجبت الشمس في سرادق الغيم، ولبس الجو مطرفه الأدكن. باحت الريح بأسرار الندى. ضربت خيمة الغمام، وقام خطيب الرعد، ونبض عرق البرق، سحابة رعدها يصم الأذن، وبرقها يخطف العين. سحابة ارتجزت رواعدها، وأذهبت بروقها مطاردها. نطق لسان الرعد، وخفق قلب البرق. الرعد ذو صخب، والبرق ذو لهب. ابتسم البرق عن قهقهة الرعد. زأرت أسد الرعد، ولمعت سيوف البرق. رعدت الغمائم وبرقت، وانحلت عزالى السماء فطبقت. سحابة هدرت رواعدها، وقربت أباعدها، وصدقت مواعدها. كأن البرق قلب مشوق، بين التهاب وخفوق. في السحاب والمطر انحل عقد السماء، وهي عقد الأنواء. انحل سلك القطر، عن در البحر. أرخت السماء عزاليها، وأغرقت الأرض وسحت نواحيها. هطلت بمثل أفواه القرب، انتثرت كانتثار العقود. استعار السحاب جفون العشاق، وأكف الأجواد. انحل خيط السماء، انقطع شريان الغمام. سحابة تنخل علينا ماء البحر، وتفض لنا عقود الدر. سحاب حكى المحب في انسكاب دموعه، والتهاب النار بين ضلوعه، سحابة تحدو من الغيوم جبالا، وتمد من الأمطار حبالا. سحابة ترسل الأمطار أمواجا، والأمواج أفواجا. تحللت عقد السماء بالديمة الهطلا. غيث أجش يروي الهضاب والآكام، ويحي النبات والسوام. غيث كغزارة فضلك، وسلاسة طبعك، وصفاء ودك. وبل كالنبل. سحابة يضحك من بكائها الروض، وتخضر من سوادها الأرض. سحابة لا تجف جفونها، ولا يخف أنينها، ديمة روت أديم الثرى، ونبهت عيون النور من الكرى. سحابة ركبت أعناق الرياح. مطر كأفواه القرب، ووحل إلى الركب. أندية قد من الله معها على البيوت، بالثبوت، وعلى السقوف، بالوقوف
  في وصف الماء : ماء كالزجاج الأزرق، غدير كعين الشمس، موارد كالمبارد. ماء كلسان الشمعة، أصفى من الدمعة، يسيح في الرضراض، سيح النضناض. ماء إذا مسته يد النسيم حكى سلاسل الفضة. ماء إذا صافحته راحة الريح، لبس الدرع كالمسيح. ماء يتصندل ويتسلسل. كأن الغدير بنبات الماء مصندل مطير، بركة كأنها مرآة السماء، بركة مفروزة بالخضرة رداء، كأنها مرآة مجلوة على ديباجة خضراء، غدير ترقرقت فيه دموع السحائب، وتواترت عليه أنفاس الرياح الجنائب. غدير ساكن إلا من نسيم الصبا يحركه بأنفاسه، وينقش وجهه بأرواحه. ماء يبوح بأسراره وصفاؤه، ويلوح في قراره حصباؤه، ماء كأنما يفقده من يشهده. ماء أرق من دموعي فيك وأعذب من أخلاقك، وأبرد من فعل الزمان حين رماني بفراقك. نهر يتسلسل كالزرافين، ويرضع أولاد الرياحين. في ذكر الصيف ووصف الحر قوي سلطان الحر. فرش بساط الجمر. أقبلت أوائل الحر، وغير الهواء طبعه، وبدل مزاجه. حر الصيف، كحد السيف. أوقدت الشمس نارها، وأذكت أوارها. حر يلفح حر الوجه. حر يشبه قلب الصب. ويذيب دماغ الضب. هاجرة كأنها من قلوب العشاق، إذا اشتعلت فيها نار الفراق. هاجرة تحكي نار الهجر، وتذيب قلب الصخر. كأن البسيطة من وقدة الحر، بساط من الجمر. حر يهرب له الحرباء من الشمس. قد صهرت الهاجرة من الأبدان، وركبت الجنادب العيدان. حر ينضج الجلود، ويذيب الصيخود. أيام كأيام الفرقة امتداد، وحر كحر الوجد اشتداد حر لا يطيب معه عيش، ولا ينفع ثلج ولا خيش. حمارة القيظ، تغلي بصدر الغيظ، آب آب يجيش مرجله، ويثور قسطله. هاجرة كقلب المهجور، والتنور المسجور. هاجرة كالسعير الجاحم، تجر أذيال السمائم، ظلها يحموم، وماؤها محموم.



  في ذكر الليالي الطلقة الطيبة المشكورة : ليلة سحر كلها. ليلة كأنها نهار. ليلة من حسنات الدهر. ليلة هواؤها صحيح ونسيمها عليل. ليلة كبرد الشباب. ليلة فضية الأديم، مسكية النسيم. ليلة هي لمعة العمر، وغرة الدهر. ليلة مسكية الأديم، كافورية النجوم. ليلة رقد الدهر عنها، وطلعت سعودها، وغاب عذالها. ليلة كالمسك منظرها ومخبرها. هي ليلة باكورة العمر، وبكر الدهر. ليلة يلتقي طرفاها. ليلة ظلماتها أنوار، وطوال أوقاتها قصار. ليلة كما شاء المحب. ليلة مسروقة من الدهر، ليلة مريضة النسيم، صحيحة الهواء، موشية بالنجوم، مطرزة بالقمر. في ضد ذلك وذكر طول الليل ليلة من غصص الصدر، ونقم الدهر. ليلة كلها غيوم وغموم. ليلة كما شاء الحسود، وسآء الودود. ليلة كأن أول يوم الحشر آخرها. ليلة قص جناحها، وضل صباحها. ليلة كليل الأعمى. ليل ثابت الأطناب طامي الغوارب، طامح الأمواج وافي الذوائب. ليل كأن نجومه نجوم الشيب. ليل كأن نجومه عقلت فلا تسير، ولا تدور ولا تغور. ليال ليست لها أسحار، وظلمات لا تتخللها أنوار.


 ذ كر النعاس والنوم : شرب كأس النعاس، انتشى من خمر الكرى، خاط النعاس جفونه، أخذ الكرى يجشمه، بل ثقل رأس، وتقاضي نعاس، عسكر النعاس بطرفه، وخيم بين عينيه وجفنه. خاض ضحضاح الكرى، ملأ النعاس جفنه، وشغل عينه. مال مع النعاس. مس النوم مقلته. غلبته عيناه. كأن النعاس يطالبه بدين. غشيه نعاس الوحدة، ضرب على أذنه وقد ملأ عينه، غرق في لجة الكرى. تمايل من سكرة النوم. كحل الليل الورى بالرقاد، وشامت الأجفان أعينها في الأغماد، عبث الكرى بهم، وأرخى مفاصلهم، وأمال أعناقهم.


  تناهي الليل وتصرمه : انكشف غطاء الليل. انهتك ستر الدجى. رفع سجف الظلام، رق ثوب الدجى، هرم الليل، وشمطت ذوائبه، وتقوس ظهره، وتصرم عمره، قوضت خيام الظلام، خلع الأفق ثوب الدجى، استرد الليل خلعته، انتقب الليل بالصبح، أعرض الظلام وتولى، وتدلى عنقود الثريا، طرز الصبح قميص الليل، باح الصباح بسره، خلع الليل ثيابه، وحدر الصبح نقابه.


  أفول النجوم : مالت الجوزاء للغروب، ولت مواكب الكواكب، تناثرت عقود النجوم تعطل الأفق من حلي الكواكب، تفرقت أسراب النجوم، فرت من حدق الأنام، وهي نطاق الجوزاء، وانطفأت قناديل الثريا. 


  طلوع الشمس وانبساط الضوء : بدا حاجب الشمس. ذر قرن الشمس. ارتفع الحجاب عن حاجبها. لمعت الشمس في أجنحة الطير. كشفت قناعها، ونشرت شعاعها. ارتفع سرادقها، وأضاءت مشارقها. انتشر جناح الضو، في أفق الجو. طنب شعاع الشمس في الآفاق، وذهب أطراف الجدران. افتضضنا عذرة الصباح .
  انتصاف النهار : بلغت الشمس كبد السماء، انتعل كل شيء ظله، قام قائم الهاجرة، رمت الشمس بجمرات الهجير.


  ذكر ابتداء الليل إلى انتهائه : كان ذلك من مفتتح النهار إلى مختتمه، ومن قرنه إلى قدمه، من مطلع الفلق، إلى مجمع الغسق، فلان يركب في مقدمة الصبح، ويرجع في ساقة الشمس، من حين تفتح الشمس جفنها إلى أن تغض طرفها. من حين تسكن الطير في أوكارها، إلى أن تنزل السراة من أكوارها.


  في الفصاحة : لسانه يغيض البحور. ويفلق الصخور. ويسمع الصم، ويستنزل العصم. خطيب لا تناله حبسة، ولا ترتهنه لكنة، ولا تتسلط على حواره فترة، ولا تعترض لسانه عقدة. فلان رقيق الأسلة، عذب العذبة. لو وضع لسانه على الشعر حلقه، أو على الصخر فلقه، أو على الجمر أحرقه، أو على الصفا خرقه. وكيف يجر في الفصاحة رسنه. كأن لسانه ثعبان ينساب بين رمال، أو ماء يتغلغل بين جبال. كأن لسانه مخراق لاعب، أو غرار سيف قاضب. قد أحسن السفارة، واستوفى العبارة، وأدى الألفاظ واستغرق الأغراض، وأصاب شواكل المراد، وطبق مفاصل السداد. لسانه كلسان ابن الحمرة، أو سنان عنترة.


  أدعية : أطال الله له البقاء، كطول يده بالعطاء، ومد له في العمر، كامتداد ظله على الحر. أدام الله له المواهب، كما أفاض به الرغائب، وحرس لديه الفواضل، كما عوذ به البر الشامل. تولى الله عني مكافاته، وأعان على الخير نياته، وأصحب بقاءه عزاً يبسط يديه لأوليائه، وعلى أعدائه، وكلأه تذب عن ودائع مننه عنده، وزاد في نعمه وإن عظمت، وبلغه آماله وإن انفسحت. لا زال الفضل يأوي منه إلى ركن منيع، وجناب مريع. لا زالت الألسن عليه بالثناء ناطقة، والقلوب على مودته متطابقة، والشهادات له بالفضل متناسقة. لا زال يعطف على الصادر والوارد، عطف الهم والوالد. أبقاه الله للجميل يعلي معالمه، ويحيي مكارمه، ويعمر مدارجه، ويثمر نتائجه. أدام الله أيامه التي هي أيام الفضائل ومواقيتها، وأزمان المآثر وتواريخها. أدام الله له المواهب، سامية الذوائب. موفية على منية الراجي وبغية الطالب. أبقاه الله للعطاء يفضه بين خدمه، والجمال يفيضه على إنشاء نعمه. والله يتابع له أيام العلاء والغبطة، والنماء والبسطة، لترتع أنواع الخدم في رياض مواهبه، والله يبقيه طويل الذراع، مديد الباع، ملياً بالإفضال والاصطناع. جزاه الله عن نعمه هناها، بعد أن أسبغها، وعارفة ملاها، بعد أن سوغها. أفضل ما جزي به مبتدي إحسان، ومحيي إنسان. لا زال مكانه معاناً للنعم لا تريمه المواهب، ولا ترومه النوائب. بسط الله بالعلاء يده، وقرن بالسعادة جده، وجعل خير يوميه غده، ولا زالت الأيام والليالي مطاياه إلى أمانيه وآماله، وصرف الله صروف الغير عن إصابة إقباله وكماله. أخر كتاب المدائح والأثنية، ولله الحمد والمنة


  في البخل : سائله محروم، وماله مكتوم. لا يجيز إنفاقه، ولا يحل خناقه . غناه فقر، ومطبخه قفر. يملأ بكنه والجار جائع، ويحفظ ماله والعرض ضائع. قد أطاع سلطان البخل بجهده، وانخرط كيف شاء في سلكه. فلان لا يبض حجره، ولا يثمر شجره. ما هو إلا حجر لا يروي، وزند لا يوري. قد جعل ميزانه وكيله، وأسنانه أكيله، وكيسه، أنيسه، ورغيفه، أليفه، ويمينه، أمينه، ودرهمه شقيقه، ومفتاحه رفيقه، وخاتمه، خادمه، وصناديقه، صديقه

 


  الجهل والخرق والسخف : جهل كثيف، وعقل سخيف، قالب جهل مستور بثوب. فلان جاهل لا يميز، وأهوج لا يتحرز، أخرق متخلف، أهوج متعجرف. لا يستتر من العقل بسجف، ولا يشتمل إلا على سخف. يمد يد المجون فيعرك بها أذن الحزم، ويفتح جراب السخف فيصفع بها قفا العقل.لا تزال الأخبار تورد جهله وخرقه، والأنباء تنقل نتائج سخفه وحمقه، قد ظل يتعثر في فضول جهله، ويتساقط في ذيول خرقه. قد أتى ما دل على خرقه، وركاكة خلقه.

  خبث الطوية ومخالفة الباطن للظاهر : قلب نغل، وصدر دغل. طوية معلولة، وعقيدة مدخولة. ظاهر يسر الناظر، وباطن يسوء الخابر. صديق العيان، عدو المغيب. ما أكذب سراب أخلاقه، وأكثر أسراب نفاقه. صفوه رنق، وبره ملق، ووده مذق. هو لابس من الغش ثوباً لا ينضوه، ولازم من الفعل سمتاً لا يعدوه، ينتهز الفرصة كيف ينشر أجنحة الاحتيال، وكيف يعمل أسلحة الاغتيال. يدب الخمر، ويمشي الضراء، ويسر حسواً في ارتغاء. قد ملئ قلبه رينا، وشحن صدره مينا. خبيث النية، فاسد الطوية، مقلب لسان الملق، ساتر بالتخلق وجه الخلق. عند الرجاء موجود، عند البلاء مفقود. يمشي الضراء في الغيلة، ويتنفق بالنفاق والحيلة. يبث حبائل الزور، وينصب أشراك الغرور، ويدعي ضروب الباطل، ويتحلى بما هو منه عاطل. يدعي الفضل وهو فيه دعي. يبدي وجه المطابق الموافق، ويخفي نظر المسارق المنافق. دأبه بث الخدائع، والنفث في عقد المكاره والمكائد. ضميره خبث، ويمينه حنث وعهده نكث.



  النميمة : لعن الله من يفسد ذات البين، ويسعى بالنميمة بين المحبين. النمام يحارب بسيف كليل إلا أنه يقطع، ويضرب بعضد واهن إلا أنه يوجع. فلان لا يزال ينمنم حلة النمائم، وينفث في عقد المكاره. قد هبت سمائم نمائمه ودبت عقارب مكائده. النميمة من سلاح النساء، وحصون الضعفاء.

  أدعية العيادة : أغناك الله عن الطب والأطباء، بالسلامة والشفاء. كفاك الله بالسلامة،. جعله الله عليك تمحيصا، ولا تنغيصا، وتذكيرا، لا تنكيرا، وأدبا، لا غضبا، والله يدر لك صوب العافية، ويضفي عليك ثوب الكفاية الوافية. أذن الله في شفائك، وتلقى داءك بدوائك، ومسحك بيد العافية، ووجه إليك وافد السلامة، وجعل علتك ماحية لذنوبك، مضاعفة لثوابك. أوصل الله إليك من برد الشفاء، ما يكفيك حر الأدواء.

  ألفاظ التهنئة بمولود : مرحباً بالفارس المحقق للظنون، المقر للعيون. المقبل بالطالع السعيد، والخير العتيد. أنجب الأبناء، لأكرم الآباء. أنا مستبشر بطلوع النجم الذي كنا منه على أمل، ومن تطاول استسراره على وجل. إن يشأ الله يجعله مقدمة إخوة في نسق، كالفرند المتسق. قد طلع في أفق الحرية أسعد نجم، ونجم في حدائق المروءة أزكى نبت. عليه خاتم الفضل وطابعه، وله سهم الخير وطالعه . قد بشرت قوابله بالإقبال وعلو الجد، واقترن قدومه بالطائر السعد. هنأك الله قوة الظهر، واشتداد الأزر، بالفارس المكثر لسواد الفضل، الموفر لجمال الأهل، المستوفي بشرف الأرومة، كرم الأبوة والأمومة، وأبقاه حتى نراه، كما رأينا جده وأباه. عرفت آنفاٍ ما كثر الله به عدده، وشد عضده، بشرت بالنور الساطع في أفق النجابة، والبدر الطالع في فلك السعادة.




  وصف الخبر الهائل المزعج : خبر عز علي مسمعه، وأثر في القلب موقعه. خبر تستك له المسامع، وترتج له الأضالع. خبر تسقط منه الحبالى، وتصحو له السكارى. خبر ما تلتقي شفتاي بذكره، ولا يثبت بالي بخطره. خبر يهد الرواسي، ويفلق الحجر القاسي. خبر كادت له القلوب تطير، والعقول تطيش، والنفوس تطيح. خبر يخفض الناظر ويقذيه، ويقبض الأمل ويقدح فيه. خبر أحرج الصدر، وأحل البكاء وحرم الصبر، وأطار واقع السكون، وأثار كامن الوجوم، وثقلت وطأته على أجزاء النفس،. خبر يشيب الوليد، ويذيب الحديد.



  في الرضاء بقضاء الله تعالى والتسليم لحكمه : ما الحيلة وقد حل القضاء، وفرض العزاء لقدر الله، ونزل البلاء الجسيم وكتب الرضاء والتسليم. لا تسخط لقدر الله وهو عدل، ولا تكره لقضاء الله وهو فضل. ليعلم أن حكم الله عدل كيف تصرفت الأقدار، ووقعت من كراهة واختيار. القضاء غالب، والزمان معط وسالب، ولا خيار على القدر، ولا إيثار على الغير. والله العدل، وحكمه الفصل، ومن عنده الفضل، قضاء الله ماض، وهو عدل قاض. يولي، ويبتلي، ويسلب، ويعطي، ويعير، ويرتجع، ويمتع، وينتزع. له الخلق، وفعله الحق. أمر الله لا يقابل إلا بالرضا، والصبر على ما قضى وأمضى.

تعليقات